النظرية الاقليمية
اما قبل ، فانه كلما فزعنا الى الادب و عكفنا عليه ، خرج علينا قوم يسوؤون فعلنا ، و يبخسون مجهودنا ، و ما ذلك الا لانهم لا يرون للادب مزية و لا فضلا و انه لا يعدو ان يكون كلاما يتطاير في الهواء ، و احرفا تكتب بالماء فوق الماء ، و لو انهم كلفوا انفسهم مشقة النظر في مذاهبه ، و التحقيق في غايات اربابه ، لادركوا اهميته و لما بخسوا لمن سلك هذا النهج حقه .
و نحن ما اخترنا الادب ، و سلكنا طريقه ، و ولجنا في مذاهبه ، و عرجنا على اربابه ، الا لما ادركناه من دوره في الرقي بالمجتمع ، و صيانة الامة ، و الحفاظ على امنها ، و لم شملها ، و جمع شتاتها .
قدر الله لي ان افتح عيني على عوالم الفكر ، و الج ساحات الراي ، في زمن يموج بالفتن ، و تتضارب في اقوال الرجال و ارائهم ، و تتباين مواقفهم ، و من هذا الخضم الهائل الهائج من الاحداث ، فاني احدثك عن عرض مشروع " الاقليم السني " في العراق ، و اخبرك معه عن تحمس بعض اخواننا من اهل العراق لهذا المشروع ، و ذلك لما نالهم ما نالهم من البطش الايراني الشيعي ، فرؤوا فيه سبيلا للتحرر من المد الشيعي و الفرار من القهر الايراني ، فتحمسوا له و ايدوه ، غير اخ واحد ، و الذي كان له موقف غير موقفهم و راي غير رايهم ، فقد رفض هذا المشروع ، و قد ساعده على تكوين هذا الراي امران ، فاما احدهما : انه كان بعيدا عن العراق ، و ذلك لانتسابه لقطر عربي اخر ، و اما الثاني فيرجع الى ما حباه به ربه من سعة الفكر و دقة النظر و رجاحة العقل و متانة الراي ، فاعتبر ان اتمام هذا المشروع ما هو الا اتمام لتقسيم المقسم و تفتيت المفتت ، ثم انقضت الايام و انطوت بداخلها الاحداث ، و ادرك ذلك الاخ ان الزواج اقوم له و احسن من ان يضيع وقته في نقاشات لا نفع من ورائها و لا طائل ، و ادركت معه صحة موقفه و رايه .
ان ما كان من التحدث عن الاقليم السني و الاقليم الكردي و استقلال جنوب السودان ، و ما قد ياتي بعد حين من المطالبة باقليم شيعي و الامازيغي في المغرب العربي ، انما هو سياسة ادبية،جاءت تمهيدا لتكون من بعد سياسة قومية ، بدات الدعوة اليها في بدايات القرن الماضي مع احمد ضيف ، ثم خلف من بعده امين الخولي ، تحت مسمى " النظرية الاقليمية " فاعتبر الادب العربي ادب امم كثيرة مختلفة المذاهب و الاجناس و البيئات ، ثم تطور بها الامر الى ان حملت اسم " الدعوة الى الفرعونية و الاشورية و البابلية و و و الامازيغية ، و ذلك على حسب كل قطر من الاقطار العربية .
فها انت ترى ان هذه السياسة القومية كانت لها سابقة ادبية ، عملت عملها في الامة و ادابها و فكرها ، قبل ان تعمل عملها في قوميتها ، و من هنا كان على كل لائم و عاذل ، الا يستخف بما نحن فيه من عكوف على دراسة الادب ، و ان يمسك لسانه عن الاستهزاء و التبجح ، حتى لا يظهر عورته و لا ينكشف وهن نظره و ضعف ادراكه .
لا تحسبن يا صاحبي ، ان وقوع طلاب البعثات الدراسات الادبية ، دون غيرهم من التخصصات ، تحت تأثير اليهود من اساتذة السوربون و غيرها من الجامعات الغربية التي كانت تستقبل البعثات الطلابية العربية ، كان صدفة ، لا يا صاحبي لم يكن صدفة ، و من ادعى انه كان صدفة ، فاعلم انه يغط في سبات عميق ،غارق في احلامه ، يتلذذ باوهامه و غبائه ، غير عابئ بما يدور حوله.
لقد اكتفيت في هذه الاسطر بالتلميح دون التصريح ، و بالاختصار بدل الاطناب ، و لو اردت تفصيل القول و الاسترسال في الكلام و الاغراق في البيان و ضرب الامثال، لاحتاج الامر مني الى فصول ، فالحديث حديث ذو شجون ، يتصل باشياء اخرى تمس الامة .
كتب: الاربعاء 26 ذو الحجة 1440 (28/08/2019)
__________________
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) الكهف 6
كل العلوم سوى القرآن مشغلة ..... إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال حدثنا ..... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
|