
2013-01-27, 07:17 PM
|
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
|
|
تاريخ التسجيل: 2011-01-05
المكان: المملكة المغربية
المشاركات: 693
|
|
الحمل والولادة:
تأتي اللحظة التي تتمناها كل امرأة وهي لحظة الولادة ورؤية صغيرها الذي ظل في رحمها تسعة اشهر تنتظر أن تحمله بين يديها لينسيها إرهاق الحمل وأوجاع الطلق ولكن مريم – عليها السلام حالها كان مختلفاً لأن أبنها لم يكن له أب ككل البشر من بعد آدم وحواء -عليهما السلام -فهو خلق بكلمة الله تعالي وليس تعرف بعد كيف يستقبلها للناس وهي تحمل صغيرها وهي العذراء الطاهرة ؟!
ورغم أدراكها لعظمة هذا الحمل وبركته وأن أبنها هذا معجزة ربانية ورسول من رب العالمين إلا أنها أمام هذا الموقف حائرة وضعيفة, ولكن رحمة الله لا تفارقها ابداَ فماذا حدث؟..
قال تعالي:
فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً *23* فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً *24* وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً *25* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً *26* فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً *27* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً *28*)- مريم
ولندع صاحب الظلال يستكمل شرحه السهل الممتنع للقصة وهذه الآيات البينات..
قال – رحمه الله:
ثم تمضي القصة في مشهد جديد من مشاهدها ; فتعرض هذه العذراء الحائرة في موقف آخر أشد هولا:
*فحملته فانتبذت به مكانا قصيا . فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ; قالت:يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا*. .
وهذه هي الهزة الثالثة . .
إن السياق لا يذكر كيف حملته ولا كم حملته . هل كان حملا عاديا كما تحمل النساء وتكون النفخة قد بعثت الحياة والنشاط في البويضة فإذا هي علقة فمضغة فعظام ثم تكسى العظام باللحم ويستكمل الجنين أيامه المعهودة ? إن هذا جائز . فبويضة المرأة تبدأ بعد التلقيح في النشاط والنمو حتى تستكمل تسعة أشهر قمرية , والنفخة تكون قد أدت دور التلقيح فسارت البويضة سيرتها الطبيعية . . كما أنه من الجائز في مثل هذه الحالة الخاصة أن لا تسير البويضة بعد النفخة سيرة عادية , فتختصر المراحل اختصارا ;
ويعقبها تكون الجنين ...
ليس في النص ما يدل على إحدى الحالتين . فلا نجري طويلا وراء تحقيق القضية التي لا سند لنا فيها . . . فلنشهد مريم تنتبذ مكانا قصيا عن أهلها , في موقف أشد هولا من موقفها الذي أسلفنا . فلئن كانت في الموقف الأول تواجه الحصانة والتربية والأخلاق , بينها وبين نفسها , فهي هنا وشيكة أن تواجه المجتمع بالفضيحة . ثم هي تواجه الآلام الجسدية بجانب الآلام النفسية . تواجه المخاض الذي*أجاءها*إجاءة إلى جذع النخلة , واضطرها اضطرارا إلى الاستناد عليها . وهي وحيدة فريدة , تعاني حيرة العذراء في أول مخاض , ولا علم لها بشيء , ولا معين لها في شيء . . فإذا هي قالت: *يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا*فإننا لنكاد نرى ملامحها , ونحس اضطراب خواطرها , ونلمس مواقع الألم فيها . وهي تتمنى لو كانت*نسيا*:تلك الخرقة التي تتخذ لدم الحيض , ثم تلقى بعد ذلك وتنسى !
وفي حدة الألم وغمرة الهول تقع المفاجأة الكبرى:
*فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا . وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا . فكلي واشربي وقري عينا , فإما ترين من البشر أحدا فقولي:إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا*. .
يالله ! طفل ولد اللحظة يناديها من تحتها . يطمئن قلبها ويصلها بربها , ويرشدها إلى طعامها وشرابها . ويدلها على حجتها وبرهانها !
لا تحزني . . *قد جعل ربك تحتك سريا*فلم ينسك ولم يتركك , بل أجرى لك تحت قدميك جدولا ساريا - الأرجح أنه جرى للحظته من ينبوع أو تدفق من مسيل ماء في الجبل - وهذه النخلة التي تستندين إليها هزيها فتساقط عليك رطبا . فهذا طعام وذاك شراب . والطعام الحلو مناسب للنفساء . والرطب والتمر من أجود طعام النفساء . *فكلي واشربي*هنيئا . *وقري عينا*واطمئني قلبا . فأما إذا واجهت
أحدا فأعلنيه بطريقة غير الكلام , أنك نذرت للرحمن صوما عن حديث الناس وانقطعت إليه للعبادة . ولا تجيبي أحدا عن سؤال . .
ونحسبها قد دهشت طويلا , وبهتت طويلا , قبل أن تمد يدها إلى جذع النخلة تهزه ليساقط عليها رطبا جنيا . . ثم أفاقت فاطمأنت إلى أن الله لا يتركها . وإلى أن حجتها معها . . هذا الطفل الذي ينطق في المهد . . فيكشف عن الخارقة التي جاءت به إليها . .
*فأتت به قومها تحمله . . !*. . فلنشهد هذا المشهد المثير:
إننا لنتصور الدهشة التي تعلو وجوه القوم - ويبدو أنهم أهل بيتها الأقربون في نطاق ضيق محدود - وهم يرون ابنتهم الطاهرة العذراء الموهوبة للهيكل العابدة المنقطعة للعبادة . . يرونها تحمل طفلا !
*قالوا:يا مريم لقد جئت شيئا فريا . يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء , وما كانت أمك بغيا إن ألسنتهم لتنطلق بالتقريع والتأنيب: *يا مريم لقد جئت شيئا فريا*فظيعا مستنكرا . ثم يتحول السخط إلى تهكم مرير: *يا أخت هارون*النبي الذي تولى الهيكل هو وذريته من بعده والذي تنتسبين إليه بعبادتك وانقطاعك لخدمة الهيكل . فيا للمفارقة بين تلك النسبة التي تنتسبينها وذلك الفعل الذي تقارفينه !
( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً *29* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً *30* وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً *31* وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً *32* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً *33* ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ *34* مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ *35* وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ *36*
وتنفذ مريم وصية الطفل العجيب التي لقنها إياها:
*فأشارت إليه*. . فماذا تقول في العجب والغيظ الذي ساورهم وهم يرون عذراء تواجههم بطفل ; ثم تتبجح فتسخر ممن يستنكرون فعلتها فتصمت وتشير لهم إلى الطفل ليسألوه عن سرها !
*قالوا:كيف نكلم من كان في المهد صبيا ?*.
ولكن ها هي ذي الخارقة العجيبة تقع مرة أخرى:
قال:إني عبد الله , آتاني الكتاب , وجعلني نبيا , وجعلني مباركا أينما كنت , وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا , وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا , والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا
وهكذا يعلن عيسى - عليه السلام - عبوديته لله . فليس هو ابنه كما تدعي فرقة . وليس هو إلها كما تدعي فرقة . وليس هو ثالث ثلاثة هم إله واحد وهم ثلاثة كما تدعي فرقة . . ويعلن أن الله جعله نبيا , لا ولدا ولا شريكا . وبارك فيه , وأوصاه بالصلاة والزكاة مدة حياته . والبر بوالدته والتواضع مع عشيرته . فله إذن حياة محدودة ذات أمد . وهو يموت ويبعث . وقد قدر الله له السلام والأمان والطمأنينة يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا . .
والنص صريح هنا في موت عيسى وبعثه . وهو لا يحتمل تأويلا في هذه الحقيقة ولا جدالا . اهـ
صلب شبيه عيسي ورحيل أمه :
ما ذكرناه سلفاً من قصة مريم البتول هو ما جاء في القران والسنة الصحيحة وفيهما ما يكفي ويشفي .
ولكن لا بأس ببيان وجيز لختم القصة مما جاء في كتب التاريخ والتفسير وكتب أهل الكتاب مما لا يخالف أو ينفيه القرآن والسنة من باب العلم بنهايتها والله أعلم وأحكم.
قال تعالي:
إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (آل عمران 55 )
قال القرطبي:
قوله تعالى : { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك } والمعنى : إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء ..ثم قال..و عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما أراد الله تبارك وتعالى أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وهم اثنا عشر رجلا من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال لهم : أما إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي فقام شاب من أحدثهم فقال أنا فقال عيسى : اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا فقال عيسى : اجلس ثم عاد عليهم فقام الشاب فقال أنا فقال نعم أنت ذاك فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام قال : ورفع الله تعالى عيسى من روزنة كانت في البيت إلى السماء قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبيه فقتلوه ثم صلبوه وكفر به بعضهم اثنتى عشرة مرة بعد أن آمن به .اهـ
وهناك رواية أخري من الإسرائيليات :
قيل أن رجلا منافقا ينافق عيسي فرفع عيسي والقي شبهه علي المنافق فذخلوا عليه وقتلوه وهم يظنون انه عيسبي .. وقالوا أن هذا المنافق هو يهوذا الاسخريوطي..أحد الأثني عشر الذين كانوا حواريي عبسي عليه السلام.
وسواء كانت هذه الرواية أو تلك فالمؤكد بالدليل من القرآن والسنة أن المصلوب ليس عيسي عليه السلام .. ولكن مريم البتول لم تكن تعلم وظنته أبنها..
وجاء في البداية والنهاية لابن كثير ما ملخصه:
..وصلبوا ما شبه لهم فمكث سبعا ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان حيث كان المصلوب فجاءهما عيسى فقال على من تبكيان قالتا عليك فقال إني قد رفعني الله اليه ولم يصبني إلا خير وان هذا شيء شبه لهم فأمرا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر وفقد الذي كان باعه ودل عليه اليهود فسأل عنه أصحابه فقالوا إنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل نفسه فقال لو تاب لتاب الله عليه ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له يحيى فقال هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل انسان منكم يحدث بلغة قوم فلينذرهم وليدعهم وهذا اسناد غريب عجيب ..ثم قال:
وحكى الحافظ بن عساكر من طريق يحيى بن حبيب فيما بلغه أن مريم سألت من بيت الملك بعد ما صلب المصلوب بسبعة أيام وهي تحسب أنه ابنها أن ينزل جسده فأجابهم إلى ذلك ودفن هنالك فقالت مريم لأم يحيى ألا تذهبين بنا نزور قبر المسيح فذهبتا فلما دنتا من القبر قالت مريم لأم يحيى ألا تسترين فقالت وممن استتر فقالت من هذا الرجل الذي هو عند القبر فقالت أم يحيى إني لا أرى أحدا فرجت مريم أن يكون جبريل وكانت قد بعد عهدها به فاستوقفت أم يحيى وذهبت نحو القبر فلما دنت من القبر... قال لها جبريل وعرفته يا مريم أين تريدين فقالت أزور قبر المسيح فأسلم عليه وأحدث عهدا به فقال يا مريم ان هذا ليس المسيح إن الله قد رفع المسيح وطهره من الذين كفروا ولكن هذا الفتى الذي القى شبهه عليه وصلب وقتل مكانه وعلامة ذلك أن أهله قد فقدوه فلا يدرون ما فعل به فهم يبكون عليه فإذا كان يوم كذا وكذا فأت غيضة كذا وكذا فإنك تلقين المسيح .
قال فرجعت إلى أختها وصعد جبريل فأخبرتها عن جبريل وما قال لها من أمر الغيضة فلما كان ذلك اليوم ذهبت فوجدت عيسى في الغيضة فلما رآها أسرع اليها وأكب عليها فقبل رأسها وجعل يدعو لها كما كان يفعل وقال:
يا امه إن القوم لم يقتلوني ولكن الله رفعني اليه وأذن لي في لقائك والموت يأتيك قريبا فاصبري واذكري الله كثيرا ثم صعد عيسى فلم تلقه إلا تلك المرة حتى ماتت قال وبلغني أن مريم بقيت بعد عيسى خمس سنين وماتت ولها ثلاث وخمسون سنة رضي الله عنها وأرضاها .اهـ
نساءٌ خالدات في القرآن والسّنة.
للكاتب الإسلامي المصري/ سيد مبارك.

|