عرض مشاركة واحدة
  #58  
قديم 2012-11-17, 06:08 PM
آية.ثقة آية.ثقة غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2012-01-30
المشاركات: 203
افتراضي

غـزوة أحـد

بعد هذهالأحداث وانتهاء هذه السنة ، ألا وهي السنة الثانية من الهجرة. اجتمع أهل مكة في مكة، وجمعوا ثلاثة آلاف مقاتل من قريش والحلفاء والأحابيش، وقد ذكرنا أن الأحابيش هم الموزع من القبائل الذين يعيشون في مكة ، وليسوا من أهلها ، وأخذوا معهم حتى النساء ، وذلك أن أهل مكة أرادوا أن ينتقموا لهزيمتهم في بدر ، فجهزوا هذا الجيش للإنتقام ، وكانت القيادة لأبي سفيان بن حرب بعد مقتل أبي جهل ، فصارت القيادة لأبي سفيان بن حرب. وقيادة الفرسان كانت مع خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ، وخرج هذا الجيش المكي بعد هذا الإعداد التام إلى المدينة يريدون الإنتقام لقتلاهم في بدر .
وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ألا وهو خروج أبي سفيان في ثلاثة آلاف من مكة يريدون قتال النبي صلى الله عليه وسلم، فاستنفر النبي صلى الله عليه وسلم الناس ، وحمل الناس سلاحهم لا يتركون سلاحهم حتى وهم في الصلاة يخشون من دخول أهل مكة عليهم .
وكان أهل المدينة أي الأنصار كسعد بن معاذ وأسيد بن حضير ، وسعد بن عبادة يقومون بحراسة النبي صلى الله عليه وسلم ، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم كبار أصحابه وأخبرهم برؤيا رآها صلوات الله وسلامه عليه ، فقال :‏ ‏‏"‏إني رأيت والله خيراً، رأيت بقراً يذبح، ورأيت في ذُبَاب سيفي ثُلْماً، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة‏"‏، فتأوّل البقر بنفر من أصحابه يقتلون، وتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول الدرع بالمدينة‏.‏
ثم قال صلى الله عليه وسلم :"أرى أن نقاتلهم من المدينة " ، نتحصن في المدينة ونقاتلهم فإن أقاموا بمعسكرهم أقاموا بِشَرِّ مُقَام، وإن دخلوا المدينة قاتلناهم من الأزقة_يعني الطرق الضيقة_، ومن فوق البيوت ‏.‏ فوافقه على هذا كبار الصحابة وممن وافقه كذلك عبد الله بن أبي بن سلول ـ فهو كما قلنا كان من رأس الخزرج بل وكان الأوس والخزرج قد اتفقوا على أن يجعلوه ملكا عليهم ـ . فوافقوا على هذا الرأي وهو أن يتم القتال من داخل المدينة ، لكن قام جماعة من شباب الصحابة الذين فاتهم القتال في بدر فقالوا يا رسول الله نخرج إليهم إنا كنا نتمنى هذا اليوم ، وندعوا الله تبارك وتعالى أن يبلغنا إياه،نخشى أن يظنوا أنا جبنا عنهم (يعني نقاتلهم).
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لابأس . ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته ولبس أدراعه –أي أدراع القتال- صلوات الله وسلامه عليه ، وهذا من باب السبب .وكان الناس ينتظرونه صلوات الله وسلامه عليه حتى يخرج ،فقال لهم سعد بن معاذ ‏:‏ استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه،فندموا على ما صنعوا، فلما خرج قالوا له‏:‏ يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت،إنما هو رأي رأيناه إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ "ما ينبغي لنبي إذا لبس لأْمَتَه ـ أي لباس الحرب ـ أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه‏"‏ ‏.‏ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى القتال ليواجه أهل مكة خارج المدينة صلوات الله وسلامه عليه، وهم في الطريق رجع المنافق عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش ، وأنزل الله تبارك وتعالى في المنافقين: {‏وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 167‏]‏‏.‏
فعبد الله بن أبي بن سلول لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش وكانوا ألفا ، قبل وصولهم إلى جبل أحد رجع عبد الله بن أبي سلول بثلث الجيش ممن أطاعه من قومه فخرج وقال له لاأظن أن هناك قتال ، ونجح هذا المنافق في استدراج ثلاثمائة رجل من منافق وضعيف الإيمان وغيرهم ، ولكن أكثرهم كانوا من المنافقين ، وهمت طائفتان من المسلمين من الأنصار وهم بنو حارثة من الأوس ، وبنو سلمة من الخزرج هموا أن يرجعوا كذلك مع عبد الله بن أبي بن سلول ولكن الله ثبتهما وأنزل الله جل وعلا‏:‏ ‏{‏إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 122‏]‏‏.‏تفشلا أي بالرجوع فشل ذريع يرجعون عن النبي صلى الله عليه وسلم.
بعد أن وصل جيش المسلمين إلى أحد ، ووصل جيش الكفار كذلك ، وذكرنا أن عدد الكفار ثلاثة آلاف ، وعدد المسلمين في بداية الخروج ألف ، ثم نقص إلى أن صار سبعمائة .
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن القتال حتى يأمرهم، ولبس صلوات الله وسلامه عليه الدرعين، وحرض أصحابه على القتال، وحضهم الصبر في اللقاء، وبث فيهم روح الحماسة صلوات الهر وسلامه عليه ثم رفع سيفه وقال‏:‏ ‏‏"من يأخذ هذا السيف بحقه؟"، فقام إليه رجال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة:"خذه"، قال‏:‏ يا رسول الله ‏ وما حقه؟‏ قال‏:‏ "أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني"‏‏.‏ قال‏:‏ أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إياه‏.‏
فلما أخذ السيف عصب على رأسه عصابة –خرقة ربطها على رأسه-، وجعل يتبختر بين الصفين(يمشي بفخر)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏"‏إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن‏" (لأنه يغيظ الأعداء)‏‏.‏
وتقارب الجمعان ، و تدانت الفئتان ، وبدأ القتال ، وكان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة العبدري . وكان من فرسان قريش يسميه المسلمون كبش الكتيبة لشجاعته ، خرج على جمل يدعو إلى المبارزة فتقدم إليه الزبير بن العوام ووثب إليه وثبة الليث حتى صار معه على جمله ، ثم اقتحم به الأرض –أي ألقاه إلى الأرض – وقام وذبحه رضي الله عنه وأرضاه ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الزبير :" لكل نبي حواري، وحواري الزبير‏".‏
واشتد القتال بين المسلمين وأهل مكة ، وقتلوا من أهل مكة كثيرا ، وقتل في هذه المعركة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه قتله رجل يقال له وحشي بن حرب ويحدثنا وحشي بن حرب عن قتله لحمزة . قال وحشي : كنت غلاما لجبير بن مطعم ، وكان عمه –أي عم جبير بن مطعم- طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر ، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إنك إن قتلت حمزة عم محمد صلى الله عليه وسلم بعمي فأنت عتيق – أي بدل عمي فأنت عتيق- . قال: فخرجت مع الناس وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئا . فلما خرج الناس يقول : خرجت أنظر حمزة وأتبعه بصري حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق ، يَهُدُّ النَّاسَ هَدًّا، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْء،يقول: فوالله إنِّي لَأَتَهَيَّأُ لَهُ، أُرِيدُهُ فأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنِّي إذْ تَقَدَّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى-أي وصل إليه قبلي رجل يقال له سباع بن عبد العزى- ، فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ: هَلُمَّ إلَيَّ يَا بن مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ-وذلك أن أمه كانت تختن النساء-. قَالَ: فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فكَأَنّمَا أَخَطَأَ رَأْسَهُ -يعني أصابه إصابة واحدة قطع رأسه بها كأنما أخطأ رأسه أي لم يخطئ رأسه-. قَالَ وحشي : هنا هَزَّزَتْ حَرْبَتِي، حَتَّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا، دَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي أحشائهِ، حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي (أي يأتيني)،يقول: فَغُلِبَ، فتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى الْعَسْكَرِ، فَقَعَدْتُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي في ِغَيْرِهِ حَاجَةٌ(أي ماجئت لأقاتل بل جئت لأعتق نفسي بقتل حمزة)، يقول: وَإِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ. فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ أُعْتِقْتُ (أي بقتل حمزة).
والعجيب أن وحشي بن حرب هذا بعد ذلك أسلم وتاب ، فكان أن وفقه الله تبارك وتعالى إلى قتل مسيلمة الكذاب فيقول : قتلت ولي الله وقتلت عدو الله (أي قتلت ولي الله حمزة عليه السلام وقتلت كذلك عدو الله مسيلمة الكذاب).

اشتد القتال في هذه المعركة العظيمة معركة أحد وأنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده سبحانه وتعالى، فكشفوهم (أي كشف المسلمون المشركين عن المعسكر ) وكانت الهزيمة . قال الزبير بن العوام : والله لقدرأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب(خدم أي السوق السيقان) يقول ما دون أخذهن قليل ولا كثير (يعني يستطيع أن يمسك بهن )، وفي حديث البراء عند البخاري : فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل يرفعن سوقهن قد بدت خلاخيلهن ، فتبع المسلمون المشركين يضعون فيهم السلاح وينهبون الغنائم.
رد مع اقتباس