
2012-07-24, 07:40 AM
|
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
|
|
تاريخ التسجيل: 2012-01-30
المشاركات: 203
|
|
السيرة النبوية (للشيخ عثمان بن محمد الخميس) (تابع)
[align=center]الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش مرة أخرى: [/align]
بعد أن رجع إلى مكة صلوات الله وسلامه عليه لم يصبر ، فرجع مرٍِّّّّة ثانية إلى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى . فقام أهل مكة وذهبوا إلى أبي طالب مرة أخرى وقالوا له: ليكف عنا ابن أخيك لسانه ، الصحيفة نقضناها ورجعتم كما كنتم ، ليترك الدعوة إذا. فجاء أبو طالب وجاء معه بعض نفر من قريش ، فكلموا النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : ماذا تريد منا؟ قال: أريد كلمة تعطونها ، تملكون بها العرب ، وتدين لكم بها العجم. قالوا : كلمة؟ قال: كلمة. فقام أبو جهل وقال: وأبيك أعطيك مائة كلمة (إذا كانت القضية مجرد كلمة أعطيك مائة كلمة). فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا لا إله إلا الله. فقام أبو جهل وقال: أما هذه فلا، هذه الكلمة لا نعطيكها أبدا (أجعل الآلهة إلها واحدا) ،أتريد أن تجعل الآلهة إلها واحدا يا محمد. فأنل الله : بسم الله الرحمن الرحيم :"ص والقرآن ذي الذكر(1) بل الذين كفروا في عزة وشقاق(2) كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص(3) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب(4) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب(5)وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ءالهتكم إن هذا لشيء يراد(6) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق(7)"[سورة ص].
نرى أن كفار مكة إمتنعوا عن قول لا إله إلا الله فلم يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله ثم يبقون على دينهم الذي هم عليه، لأن أبا جهل ،وعتبة ، وعقبة بن أبي معيط ، والوليد بن المغيرة ، وأبا لهب وغيرهم كثير ، كل هؤلاء يعلمون علم اليقين معنى لا إله إلا الله ، ولا إله إلا الله ملايين من المسلمين الآن في زماننا هذا لا يعرفون معنى هذه الكلمة . أبو جهل يعلم أنه إذا قال لا إله إلا الله فإنه يستلزم بهذه الكلمة وأنه سيترك جميع الأصنام وأنه لا يعبد إلا الله ، ولن يذبح إلا الله ، ولن ينذر إلا لله ، ولن يخاف إلا من الله (أي الخوف الشرعي )، ولن يستغيث إلا بالله ، ولن يصلي إلا لله ، ولن يطوف إلا لله، ويطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعلم ما يترتب على هذه الكلمة ، وكن الكثير من المسلمين الآن يقولون لا إله إلا الله ، ولكنهم يذبحون لغير الله ، وينذرون لغير الله ، ويخافون من غير الله، ويستغيثون بغير الله ، ويسألون غير الله تبارك وتعالى ، وهذا كله بسبب الجهل.
بعد هذا الكلام سكتت قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم فترة من الزمن .
وفاة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم: ثم كانت وفاة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ،وذلك سنة عشر من النبوة(أي بعد خروجهم من الشْعب بستة أشهر ، أي بعد أن انتهت المقاطعة وبعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ودخل أبو طالب، ودخل جميع المسلمين وجميع من خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد ستة أشهر مات أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم .
جاء عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه ، عن أبيه المسيب رضي الله عنه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية (وعبد الله بن أبي أمية هذا هو أخ أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم). فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على عمه وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبا طالب : أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب. فعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهما يعيدان ، والنبي يعيد وهما يعيدان ، بل حتى قال آخر كلمة هو على ملة عبد المطلب. ثم مات بعد ذلك، فخرج النبي وقال لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك. فأنزل الله قوله تبارك وتعالى:" ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم من أصحاب الجحيم"[التوبة 113]. وأنزل كذلك قول الله تبارك وتعالى:" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"[القصص 56].
وفي هذه القصة من الفوائد الشيء الكثير منها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على إسلام أبي طالب ، والله لو قال أبو طالب تلك الكلمة لأَنْفَعته ، وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري وغيره :" أنه دخل على غلام يهودي وهو على فراش الموت . فقال له : قل لا إله إلا الله . فالتفت الغلام إلى أبيه فقال له أبوه : أطع أبا القاسم. فقال الغلام : لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم مات, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد لله الذي نجاه من النار" . (والله لو قالها أبو طالب لنجاه من النار ، والله لتمنينا جميعا أن يكون أبو طالب قالها ، والله ما حزنا أبدا ولن نحزن أبدا لو آمن أبو طالب ،بل نتمنى ذلك ونتمنى أن يؤمن جميع الناس ولكن مع المؤسف أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلم ، ولم يتابع النبي صلوات الله وسلامه عليه).
ثم كانت بعد ذلك المسألة المؤلمة التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك بفقده أولا لعمه أبو طالب الذي ناصره ودافع عنه وحماه وخرج معه إلى الشعب ، بل ورباه في صغره ومع هذا كله يموت على الشرك.
قال المسيب بن حَزَنْ: إن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية (وعبد الله بن أبي أمية هذا هو أخ أم سلمة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم). فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب : أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزالا يكلماه ، والنبي يكلمه ،وهما يكلماه، والنبي يكلمه ، يقول المسيب: حتى قال آخر شيء كلمهم به هو على ملة عبد المطلب .فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك". فنزلت:" ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم من أصحاب الجحيم"[التوبة 113]. ونزل كذلك قول الله تبارك وتعالى:" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"[القصص 56].
قال ابن كثير –رحمه الله تبارك وتعالى-: كان أبو طالب يصد الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه بكل ما يقََََََََدر عليه بفعال ومقال ونفس ومال، ولكن مع هذا لم يقدر الله تبارك تعالى له الإيمان ، لما له تعالى في ذلك الحكمة العظيمة ، والحجة القاطعة البالغة الدامغة التي يجب الإيمان بها والتسليم بها ، ولولا ما نهانا الله عنه من الإستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحمنا عليه.
ولكن هكذا انتهت حياة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي وقف معه ، وأيده وناصره .من الموت على الشرك والعياذ بالله تبارك وتعالى . والغريب في هذه القضية أن عبد الله بن أبي أمية هذا الذي شارك أبا جهل في منع أبي طالب من الإستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، أسلم عام الحج ، وذكروا أنه استشهد رضي الله عنه عام حنين . وقد ثبت أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك(أي أبا طالب)فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو في ضحضاح من النار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
نسأل الله تبارك وتعالى الهداية والعافية.
وفاة أمنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها زوج النبي صلى الله عليه وسلم:
بعد أن حزن النبي صلى الله عليه وسلم عن موت عمه أبي طالب وعلى تلك الحالة (أي الشرك والعياذ بالله) ، جاءته الصدمة الثانية بخبر موت خديجة أم المؤمنين رضي الله تبارك وتعالى عنها وأرضاها ، حيث توفيت بعد عمه أبي طالب بأشهر ، وفد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت ( يعني قبل موتها ) معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
|