[align=center] المبحث السابع عقيدته:
إن عقيدة الإمام ابن عبد البر عقيدة أهل السنة والجماعة فهي تتجلى في كلامه, وأقوال أهل العلم عنه وسأوردها بإيجاز:
قال أبو عمر رحمه الله:((الهدي كل الهدي في إتباع كتاب الله وسنة رسول الله , فهي المبنية لمراد كتاب الله إذا أشكل ظاهره أبانت السنة عن باطنه وعن مراد الله منه, والجدال في ما تعتقده الأفئدة من الضلال)) (1 ).
وقال ابن عبد البر بعد حديث ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا..) : هذا حديث ثابت من جهة النقل, صحيح الإسناد, لا يختلف أهل الحديث في صحته,...وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سموات, كما قالت الجماعة, وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان, وليس على العرش. والدليل على صحة ما قاله أهل الحق في ذلك, قول الله عز وجل: {الرحمن على العرش استوى}, وقوله عز وجل: {ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولى ولا شفيع},...., وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة, وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى: استولى, فلا معنى له, لأنه غير ظاهر في اللغة, ومعنى الاستيلاء في اللغة: المغالبة, والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد, وهو الواحد الصمد, ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أُريد به المجاز, إذ لا سبيل إلى إتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك, وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه, ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم, ولو ساغ ادعاءُ المجاز لكل مدع, ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها, مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم, وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكين فيه. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى {استوى} قال:علا, قال وتقول العرب: استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت, وقال: غيره: استوى أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد.انتهى(2 )
وقال أبو عمر في(( كتاب الشهادات)) في تأويل قول مالك:لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء.قال:(( أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام؛ فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري, ولا تقبل لهم شهادة في الإسلام, ويُهجر ويُؤدب على بدعته, فإن تمادى عليها استُتيب منها))(3 ).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (( ذِكر قول بُخاري الغرب الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر إمام السنة في زمانه))( 4).
وبهذه النقول الموجزة تكفي لإيضاح عقيدة هذا الإمام الجليل, وعلو مكانته, وصفاء منهجه, رحمه الله.
المبحث الثامن: حاله جرحا وتعديل.
وحاله في الجرح والتعديل كما ذكره الحافظ السخاوي رحمه الله في المتكلمون فِي الرِّجَال من نُجُوم الْهدى, ومصابيح الظُّلم, المستضاء بهم فِي دفع الردى, وجعل ابن عبد البر رحمه الله فيهم(5 ). وكذلك ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله في من كان إذا تكلَّم في الرجال قُبل قولُه, ورُجع إلى نقدهِ, ثم جعله في الطبقة الثالثة عشرة(6 ).
المبحث التاسع: مؤلفاته :
إن الإمام ابن عبد البر رحمه كان ذو فنون متنوعة, موسوعة في علمه, فقد فتح الله عليه في: الحديث, والفقه, والتاريخ, والأدب وغير ذلك, وهذا يعود إلى طول عمره,وإنه من بيت علم, وكثرة شيوخه, وحرصه في طلب العلم, ووجوده في مدينة العلم قرطبة, وتنوع شيوخه, وثمرة صلاح الوالد, وهذه منَّة الله عليه.
أشهره مؤلفاته : * التمهيد.( بتحقيق أسامة بن إبراهيم, طبعة الفاروق, 18مجلد) (7 )
• الاستذكار.( تحقيق عبدالمعطي قلعجي, 30 مجلد )
• الاستيعاب في معرفة الأصحاب.( دار الجبل, محمد البجاوي, 4 مجلدات )
• جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله.(مطبوع بتحقيق أبي الأشبال)
• الكافي في فروع المالكية.( مطبوع )
المبحث التاسع: وفاته.
توفى رحمه الله بشاطبة(8 ) من بلاد الأندلس, في آخر ربيع الآخر, ودُفن يوم الجمعة لصلاة العصر من سنة ثلاث وستين وأربع مائة, وله خمس وتسعون سنة(9 ).
المبحث العاشر: ثناء العلماء عليه.
كان إماما متبحراً صاحبَ سنة وإتباع وكان يميل في الفقه إلى أقوال الإمام الشافعي رحمه الله في مسائل ولا يُنكر عليه, فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين(10 ), قال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر, عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال, قديم السماع يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي, رحمة الله عليه(11 ). قال ابن بشكوال)):ابن عبدالبر إمام عصره, وواحد دهره)) ( 12).
قال الإمام الذهبي رحمه: (( الإمام شيخ الإسلام حافظ المغرب)) (13 ).وقال(( كان إماما دينا, ثقة, متقنا, علامة, متبحراً, صاحب سنة وإتباع )) (14 ).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:(( الشيخ أبو عُمر بنُ عبد البر النمري، إمام ما وراء البحر))(15 ).
[/align]
[align=right]ـــــــــــــــ
(1 ) الاستذكار (6/ 265-266).
( 2) تمهيد(6/ 124-125).
( 3) جامع بيان العلم وفضله (2/ 131).
(4 ) اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 143).
( 5) المتكلمون في الرجال (118), في القسم (21), وحسب ترقيم عبد الفتاح أبوغدة (122).
(6 ) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (214)وحسب ترقيم عبد الفتاح أبوغدة (122).
(7 ) طبعة هجر رتبت على أبواب الموطأ, ونقلوا تراجم الإمام ابن عبدالبر لشيوخه إلى الحاشية, وهذا عمل غير جيد, وطبعة الفاروق غير جيدة.
(8 )
( 9) ينظر إلى جذوة المقتبس (367),بغية الملتمس(491), الصلة (3/974/1513),العبر في خبر من غبر(2/316).
(10 ) ينظر إلى جذوة المقتبس (1/376), بغية الملتبس (1/489), سير أعلام النبلاء (13/359) .
( 11) جذوة المقتبس (1/ 376), تذكرة الحفاظ (2/218), سير أعلام النبلاء (18/156) .
( 12) سير أعلام النبلاء (18/156).
(13 ) ينظر إلى تذكرة الحفاظ (3/1013/217 ).
( 14) سير أعلام النبلاء (18/156).
( 15) تفسير ابن كثير (1/653).[/align]
|