السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقي على رأس السنة أسبوع وسيسعر الجو بالإحتفالات، رغم أن الإستعدادات قد ابتدأت منذ أكثر من أسبوع، المتاجر مكتظة والشوارع لا تكاد ترى فيها أحد يمر دون أن تكون يديه مثقلة بالمشتريات يعتليها أغلى أنواع الخمور،أشجار الميلاد تُزيَّن وتوضع في كل بيت، آمال الأطفال تعلق على الهدايا التي سيأتي بها أبوهم نويل....
كانت هذه الصور تمر في خاطرها وهي واقفة وراء باب الشرفة تراقب تساقط الثلوج في صمت. تمتمت: هؤلاء النصارى كل حياتهم كذب حتى الأطفال لم يسلموا من تأليفاتهم. ما أحلى أعياد المسلمين في صدقها.
ارتسمت على شفتيها إبتسامة وهي تتذكر طفولتها وفرحتها العارمة بقدوم العيد. نظرت إلى يديها وتذكرت قول أمها وهي تضع الحناء عليهما في ليلة العيد: اليدين والقدمين وكل ما فيك سيتكلم يوم القيامة ليشهد بما فعلت بهم, إنهم أمانة عندك لذلك عليك دائما الحرص على تجنب أن تقعي بهما فيما يغضب الله منك.
تحملها أمها إلى فراشها لأن الحناء في قدميها أيضا. وتنام حالمة بالغد الجميل.
آه كم هو رائع الإستيقاظ على تهاليل المساجد بدل صوت تلك الأجراس المزعج في كنائس هؤلاء القوم.
قالتها وعادت إلى ذكراها الجميلة كيف كانت تمشي مسرعة الخطى لتغسل الحناء وتجري إلى أمها التي تعد الفطور تقبلها فتقول لها: كم تبدين جميلة في هذا اليوم، لازالت تتذكر إشراقة وجه أمها في أيام الأعياد وتدفق النور منه. تفطر بعد أن يعود الأب من المسجد. فتلبسها أمها الملابس الجديدة وتنطلقان في جولة صباحية لتبادل التباريك والتهنيئات والحلوى، كل شيء في العيد كان صادقا, مشاعر الناس أحاسيسهم حتى الأطفال لا يبنون أحلاما على وهم -كما يفعل النصارى مع أطفالهم- لكنهم يسلمون على الأيادي الكبيرة منتظرين الرد ببعض الدريهمات كل وما تجود به نفسه.
ثم قالت: الطفل يحب كل هدية مهما كان حجمها وصغرها فلماذا يكذبون عليه بالقول إن النويل سيأتي في مركبة؟؟لكنه هوس النصارى الدائم في جعل الإنسان يسبح في خيالات لا أرض لها.
وفجأة تذكرت ابنها واغرورقت عيناها بالدموع وقد استرجعت مخيلتها صورة وجهه حين يسألها لماذا نحتفل بهذا اليوم؟ وهذا اليوم؟ ولماذا نضع هذه الشجرة؟ ولماذا نضع الجوارب فيها؟ ولماذا نأكل الديك الرومي؟ ووابل من الأسئلة لا يجد عندها سوى التفاسير الجافة الباردة التي لا تجد لها مكانا بين أحلام طفولته فيرتسم على وجهه نظرة فلاح في صخب المدينة.
كانت تحتفل مكرهة حتى لا يحس بالغربة بين زملائه الذين تكثر ثرثرتهم في هذه الأيام، وإذا بها تهرب من حفرة الى حفرة أشد وطأة على نفسها.
نزلت دمعة من عينها وأحست بالثقل وهي تقول بينها وبين نفسها: كم أعاني لأجل النهوض بهذا الإلحاد من ركام الأديان وكم أشقى ليسعد إبني بحياة لا وجود فيها لإرهابات الآلهة وتهديداتهم بنيران تحرق وجحيم يسعر منذ آلاف السنين ليوم يدخله الآثمون. ورغم كل هذا إلا أنني فاشلة في رسم تلك الفرحة التي كانت تغمرني بالعيد على وجه إبني.
إلا أن الذي يواسيني هو ذلك اليوم الذي تكتمل فيه مشاعره نموها وينضج عقله النضوج الكامل فيجد أن ما قدمته له كان هو الأفضل، عندها فقط سأحس بالراحة بعد هذا التعب القاسي.
التفتت صدفة ووجدت زوجها يجلس في هدوء تام واضعا بجانبه محفظته الممتلأة بمحاضراته، فمسحت الدمعة عن خدها وتصنعت إبتسامة وهي تقول: منذ متى وأنا تحت المراقبة؟؟
فاقترب مبتسما وقال: أي عالم هذا الذي سرقك لدرجة لم تشعري فيها عودتي وجلوسي هنا من ساعة تقريبا؟؟
مالت برأسها قليلا إلى اليمين وضمت يديها إلى ذراعيها وهي تقول له: كنت أسبح في أعياد طفولتي.
فبدأ يحل ربطة عنقه متجها إلى غرفة نومه ليغير ثيابه وهو يقول: ويا ترى هل ستكون أجمل من أعياد النصارى؟؟
لم تجب,بل تركته حتى عاد بعد أن غير ثيابه وقال لها: لم أسمع جوابك.
فردت بإبتسامة ساخرة:ابتظرت عودتك حتى أضمن سماعك,عزيزي رغم أن كلاهما أوهام الإنسان القديم إلا أنه لا مجال للمقارنة بين المسلمين في صدقهم وإلتزامهم بما تنص عليه كتبهم المقدسة وبين النصارى وتخريفاهم المفضوحة في كذبها. وحقيقة لا زلت أستغرب هذا الإله الذي يقول لعباده إشربوا حتى الثمالة في يوم الميلاد.
ثم ضحكت وتابعت: على الأقل لن تجد أيا من التعاليم الإسلامية تنص على أن يصبح الإنسان حيوانا ولو ليوم واحد.
فارتبك وقال لها: يبدو أنها ذكرى قوية لدرجة جعلتك تنقلبين للدفاع عن المسلمين بهذه السرعة.
تنهدت وقالت: لا أعتقد أنهم بحاجة للدفاع من ملحدة, ولكنها مجرد موازنة أمور بين خرافتين عظيمتين كالنصرانية والإسلام.
حاول أن يغير الموضوع بعد أن أحس أن عرق العروبة لازال نابضا فيها وقال لها: سأذهب لإحضار الولد من المدرسة.
فالتفتت إليه وهي تضحك وقالت له: رغم أنه لا زال باكرا على الموعد إلا أنها كوسيلة للهروب لا بأس بها. سأقوم بتجهيز مائدة الأكل في خلال ذلك.
ابتسم مغادرا وهو يقول: وإنها إحدى مخاطر الزواج بالمرأة الذكية.
ضحكت وتحركت هي الأخرى في إتجاه المطبخ وفي قرارة نفسها كانت تشعر بحزن شديد من القادم.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
|