عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 2013-06-29, 09:45 PM
نمر نمر غير متواجد حالياً
عضو متميز بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2013-02-26
المكان: بلاد الاسلام بلادي
المشاركات: 692
افتراضي

اتباع الهوى في المسائل الفقهية والأحكام الشرعية


ونريد أن نعرج قليلاً على موضوع اتباع الهوى في المسائل الفقهية والأحكام الشرعية؛ لأن هذه بلية عظيمة انتشرت في أنف هذا الزمان، فتأتي تقول للناس: هذه المسألة لا تجوز، أفتى فلان من العلماء بعدم جوازها، يقولون لك: أو لا يوجد علماء غيره؟! تقول: قال مشايخنا وعلماؤنا أن الحكم في المسألة كذا وكذا.
يقولون: هناك علماء في بلاد أخرى.
وإذا قلت: هذه المسألة لا تجوز، وقد أفتى العلماء بتحريمها، يقولون: أو لا يوجد علماء أفتوا بجوازها؟! ابحث.

ويستفتي بعضهم شيخاً فإن لم يعجبه الجواب ذهب إلى آخر يستفتيه وهكذا حتى يعثر على من يقول له: افعل ولا حرج. والمتبرعون بالفتيا التي ترضي أهواء الناس متواترون، وهذا من البلاء، ويظن البعض أنه إذا وضع بينه وبين النار شيخاً -بزعمه- نجا، بل هو هالك وشيخه معه؛ لأنه اتبعه لما يرضي هواه؛ ولأن فتواه وافقت هواه اتبعه، ولو أنها لم توافق هواه لواصل البحث عن شيخٍ آخر وهكذا..


اتباع الهوى في فقه التيسير


ثم نأتي إلى مسألة فقه التيسير ومتابعة أهواء العامة ومجاراة أهوائهم. من البدع العصرية التي خرجت ما يعرف بفقه التيسير، وفقه التيسير هو: عبارة عن اتباع الهوى، وجمع الرخص واختراعها، وهم لا يكتفون فقط بجمع الرخص التي هي زلات العلماء، فهناك -الآن- مدرسة فقه التيسير، هذه المدرسة القائمة على الحوارات على الفضائيات، وفقه التيسير يحاول أن يجمع لك أية رخصة أفتى بها، أو قالها عالم أو أحد في كتاب سابق من أي مذهب كان، وتجمع في قاموس فقه التيسير وإذا لم يجد يخترع فتوى جديدة، تناسب العصر -بزعمهم- توافق هوى الناس وتخالف الكتاب والسنة، فيقولون مثلاً: يبحث مثلاً من الذي قال: إن ربا النسيئة ربا الفضل؟ قال: هناك بعض العلماء، قبل أن يعلم الحكم يفتي بأحد نوعي الربا أنه جائز، وكان فلان يجيز أكل البرد في نهار رمضان، وكان فلان يرى بإباحة نكاح المتعة، لم يصل إليه التحريم، وكان فلان يبيح الغناء، وكان فلان كذا، فيجمعون لك هذه كلها ويجعلونها في قاموس يسمى: فقه التيسير، وإذا وردت مسألة عصرية جاء أناس فقالوا: نحن في الغرب نريد أن نشتري بيوتاً ولا يمكن أن نشتري إلا عن طريق البنوك الربوية، فالبنك يمول شراء البيت ونحن نقسط بزيادة، وهذا ربا واضح، فيقولون: هذه ضرورة عصرية، يعني: أيبقى الناس مستأجرين؟! نقول: هناك مدراء شركات مستأجرين، بل تجد (70% أو 80%) مستأجرين أين هم؟ هل كل هؤلاء مساكين يستحقون الزكاة، كل هذه البنايات والعمارات هل كل هؤلاء من أهل الزكاة؟ يقول: هذه ضرورة عصرية: الشراء عن طريق تمويل البنوك وجعلها في قاموس التيسير، وهكذا كثرت الأهواء في اتباع الرخص، ومن تتبع رخص العلماء تزندق وخرج من دينه، فإنه ما من عالم إلا وله سقطة أو زلة واحدة على الأقل؛ فإذا تتبع الإنسان هذه الرخص اجتمع فيه الشر كله، ومع طول عهد الناس بعصر النبوة والبعد عن وقت النبوة زادت الأهواء، واستولت الشهوات على النفوس، ورق الدين لدى الناس، وزاد الطين بلة ارتباط المسلمين بالغرب الذي استولى على مادياتهم وصدر إليهم الفكر الذي يعتنقونه ويرضخون له، وترك هذا الأمر أثره -مع الأسف- حتى على بعض الدعاة، أو الذين يزعمون نصرة الإسلام، ويتصدرون المجالس في الكلام، فصاروا يريدون إعادة النظر في بعض الأحكام الشرعية، يقولون: ثقيلة على الناس، الناس لا يطيقونها، ماذا تريدون؟ قالوا: نخفف، نرغب الناس في الدين، فنقول لهم: أنتم تريدون إدخال الناس من باب ثم إخراجهم من الدين من باب آخر! أنتم تريدون إدخال الناس في دين ليس هو دين الله، أنتم تريدون أن تنشروا على الناس إسلاماًَ آخر غير الذي أنزله الله، أنتم تريدون أن تقدموا للناس أحكام غير أحكاماً الشريعة التي أتى بها رب العالمين، ماذا تريدون؟ ما هو نوعية الإسلام الذي تريدون تعليمه للناس؟ وأي شريعة هذه؟ وأي أحكام؟ ومن الناس من يتطوع لمتابعتهم، ولا شك أن الناس فيهم أهل هوى وأتباع كل ناعق، يريدون يسراً ولا يريدون مشقة، ويريدون سهولة ولا يريدون تكاليف صعبة، فنقول: أفتهم بعدم صلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر فيها مشقة، وأفتهم بعدم الصوم في الصيف الحار؛ لأن الصوم في الصيف الحار مشقة، أفتهم بالفطر والقضاء، وأفتهم بصلاة الفجر الساعة الثامنة، فما دمت تريد أن تخفف على الناس خفف، وقل إن الربا ضرورة عصرية، وهكذا صار الإسلام الذي يقدم للناس غير الإسلام الذي أنزله الله. لكن كيف يعني: (القابض على دينه كالقابض على الجمر) هذا الحديث ما معناه؟ إذاً: ماذا بعد أن نلغي أي أحكام ونقول: هذه يعاد النظر فيها؟ فكيف يحس الواحد أنه قابض على الجمر؟ كيف يحس أن هنا فتنة وابتلاء من الله، الله ابتلى الناس بالتكاليف وابتلاهم بالمشاق، ماذا يعني إسباغ الوضوء على المكاره؟ ماذا يعني حفت الجنة بالمكاره؟ إذا كنت تريد إلغاء المكاره من الدين، فأين الجنة هذه التي تريدون دخولها؟ الجنة حفت بالمكاره فأين المكاره؟ أنتم تريدون إلغاء المكاره كلها بحجة التخفيف على الناس وترغيبهم في الإسلام، أنتم ترغبونهم في شيء آخر غير الإسلام، ترغبون في دين آخر تشرعونه من عندكم، وهذا التمادي يجعل الداعية هذا أو المتصدر المتزعم المدعي للعلم عبداً لأهواء البشر. يا شيخ هذه ثقيلة.

يقول: (خلاص بلاش) يا شيخ والله ما قدرت، قال: هذا مباح، وهكذا يصبح الشرع وفق أهواء الناس وشهواتهم ويعاد تشكيل دين جديد، وأحكام جديدة وفقه جديد، اسمه: فقه التيسير، وهو قائم على تمييع الشريعة ومراعاة أهواء الناس، ماذا يقول الناس؟ ما هو رأي الأغلبية؟ يجوز. ويجب أن يقوم الدعاة إلى الله بمقاومة داعي الهوى، فالشريعة جاءت لمقاومة الهوى، وتربية الناس على تعظيم نصوص الشرع والتسليم لها وترك الاعتراض عليها، وأن النص الشرعي حاكم لا محكوم، وأنه غير قابل للمعارضة ولا للمساومة ولا للرد ولا للتجزئة ولا للتخفيض، وليذكّر العامة والخاصة بقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] فلابد من تربية الناس على التعلق بالآخرة، وأن الدنيا دار شهوات وأهواء وظل زائل، وأن الجنة قد حجبت بالمكاره، والنار قد حجبت بالشهوات، وأن اليقين ما دل عليه الشرع، وما جاء به الشرع هو مصلحة الناس ولو جهلوا، ولو قالوا: ليس في هذا مصلحتنا، وأن من مقاصد الشريعة تعبيد الناس لرب العالمين، وأن الواحد يركب المشاق حتى يتعبد ويذلل نفسه لله. قال الشاطبي : المقصد الشرعي من وضع الشريعة؛ إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد له اضطراراً. إذاً: ما هو المقصد الشرعي من وضع الشريعة؟ لماذا ألزم الله الناس بالشريعة؟ الغرض من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله، وليتذكر هؤلاء القوم أن مجاراة الناس في الترخص والتيسير لا تقف عند حد، فماذا نفعل بمن تتبرم من لبس الحجاب؟ ومن يتبرم من صيام الحر في رمضان؟ ومن يتثاقل من السفر للحج لما فيه من المشقة والأمراض المعدية؟ وماذا نصنع بالجهاد الذي فيه تضحية بالنفس والمال؟ فإذا كنا نريد أن ننسلخ من أي شيء فيه ثقل فأي دين هذا الذي نريد اتباعه، والتيسير الذي يسره الله للناس ورخص فيه -هذا الشرعي أما الآخر فتيسير بدعي- التيسير الشرعي، كالمسح على الخفين والجورب للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام، هذا تيسير شرعي: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] هذا تيسير شرعي، أما أن تأتي وتقول: الربا ضرورة عصرية، فهذا كلام فارغ.


اتباع الهوى بما يعرف بالوسطية


ومن البدع الجديدة التي ينادي بها تيار ما يعرف بالوسطية -الآن- أنه ليس هناك شيء اسمه مسلمات، فكل شيء يمكن النقاش فيه، حتى لو كان في الرفض، وهذا ما ينادي به اليوم تيار الوسطية المزعوم، فكل شيء عندهم قابل للنقاش، والميدان مفتوح، فارفع لواء الكفر والزندقة ونتناقش، ويسمحون بهذا، اطرح ما عندك، صدري يتسع للرأي والرأي الآخر، نحن نتقبل أن يقول من شاء ما شاء، وذاك الزنديق يقول على الملأ والمجال مفتوح، وقد يكون أفصح وأبلغ من الذي يرد عليه، وهذا هو التيار الوسطي. ولذلك ما تراه اليوم من الحوارات في القنوات كله مبني على هذا، قنوات الفضائية الآن هي التي تعرض هذا الفكر، الرأي والرأي الآخر، حوار مفتوح يناقش، هذا زنديق مرتد يعرض شبهاته على العامة باسم الرأي والرأي الآخر، باسم حرية الرأي، باسم كل شيء قابل للنقاش، فماذا يبقى لنا من مقدسات؟ وأي أحكام ثابتة بقيت في الدين؛ فكل شيء معرض للنقاش، فيقولون: تحريم الخمر قابل للنقاش، تعدد الزوجات قابل للنقاش، الربا قابل للنقاش، نتناقش يمكن نتوصل إلى نتيجة، هذا كله على العامة: النساء والصغار، والكبار، والمثقفين وغير المثقفين، والذين عندهم علم والجهلة يشاهدون، فهذا باب الفتنة الكبرى التي فتح بالقناة الفضائية في هذا العصر، هذا الهوى واتباع الهوى. ولماذا كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، ولا يقبلون بذلك. جاء رجل يقول لـأيوب: كلمة! قال: ولا نصف كلمة، لا تعطى الفرصة للمبتدع وإذا نوقش يناقش في مجلس خاص، وقد يقول: أنتم لا تثقون بأنفسكم، نقول: بلى نثق بالله تعالى، لكن لا نرى من الحكمة أن يسمع الجهلة والعوام شبهاتك يا أيها الزنديق، نحن نخاف على دين العامة ما نخاف على أنفسنا نحن، نحن أعلم منك وأقدر منك على الجواب، لكن ليس من الحكمة أن نعرض دين العامة للفتنة؛ ولذلك هذا الطرح الذي يحدث الآن مخطط له، يؤدي بالنهاية إلى تشكيك العوام بأحكام الإسلام. والاستفتاء حول تعدد الزوجات، كم الذين قالوا نعم، وكم الذين قالوا: لا.

اطرح أي شيء في الاستفتاء، نعم، لا، لا أدري، أؤيد، لا أؤيد، متوقف، استفتاء!! قال عبد الله بن مسعود : [من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان، ولا يخلون بالنسوان، ولا يخاصمن أصحاب الأهواء]. وعن مجاهد قال: [ما أدري أي النعمتين عليَّ أعظم: أن هداني للإسلام أو عافاني من هذه الأهواء]. ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على ابن سيرين فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث؟ قال: لا.

قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: لا.
لتقوما عني أو لأقومن، فخرجا فقال بعض القوم: يا أبا بكر وما كان عليك أن يقرأا عليك آية من كتاب الله؟ قال: إني خشيت أن يقرأا عليَّ آية من كتاب الله فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي. وعن سلام بن أبي مطيع أن رجلاً من أصحاب الأهواء قال لـأيوب : يا أبا بكر أسألك عن كلمة، فولى وهو يشير بإصبعه ولا نصف كلمة، وأشار لنا سعيد بخنصره اليمنى.


اتباع الهوى بما يسمى حرية الفكر


ومن البدع التي خرجت في عصرنا من اتباع الهوى ما يعرف بحرية الفكر، وحرية العقيدة، وحرية الأديان، وحرية الاختيارات وهكذا، وهؤلاء أتباع هذا الفكر المنحرف والعقيدة الفاسدة الضالة (كل من على دينه الله يعنيه) ليس عندهم أي تمييز بين عقيدة صحيحة وفاسدة، وإسلام وكفر، وحق وباطل، وينادون بما يسمونه التعايش السلمي، فيقولون: أصحاب الأديان كل واحد يحترم الثاني، وكيف لهم ذلك والجهاد مأمور به؟ أين الجهاد في سبيل الله؟ أين إنكار المنكر؟ أين الدعوة إلى الله لتخطئة أهل الباطل؟ أين الرد على اليهود والنصارى وحلفائهم؟ وهذه البدع الجديدة لا شك أنها من اتباع الهوى، ويحتجون على ذلك بقوله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] والاحتجاج بهذه الآية يرد عليه بأحد جوابين كبيرين أشار إليهما أهل العلم: الأول: أن الآية منسوخة بآية السيف: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة:36]. الرد الثاني لمن استدل بالآية هذه: أنها خاصة بأهل الكتاب إذا رضوا بدفع الجزية، فإذا وصلنا إلى بلد في الجهاد ووجدنا أناساً من أهل الكتاب وقالوا: لا نقاتلكم وادخلوا إلى بلدنا واحكموا بشريعة الإسلام، لكن نريد البقاء على ديننا، وندفع لكم الجزية، نقول: قد أجاز لكم ديننا هذا ما دمتم حكمتمونا في بلادكم، وفتحتم لنا طريقها لتحكم بالإسلام ولتدفعوا الجزية لقاء بقائكم تحت حماية المسلمين، فهذا حق لكم: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] وهذه أقوى الأجوبة على من احتج بهذه الآية؛ لأن كثيراً من أصحاب حرية العقيدة أول ما يذكر هذه الآية ويشرحها ينطلق منها بالضلال والهوى. وقد أحدث الناس صنوفاً من الأهواء المعارضة للكتاب والسنة سموها تارة بحرية الرأي، أو حرية الفكر، وإن شئت فقدم الكاف على الفاء لتكون حرية الكفر، وهي في الحقيقة كافها قبل الفاء (كفر وليس فكر) وتارة يدخلون من باب سماحة الدين الإسلامي ونحو ذلك، ولقد رفعوا لواء حرية العقل والرأي وحرية العقيدة بهدم الدين الإسلامي، فماذا تعني حرية الرأي، أليست الإذن بقول كلمة الكفر؟! أليس حرية الرأي السماح بالطعن في الإسلام؟! أليس من حرية الرأي الاعتراض على حكم الله ورسوله؟! أليس من حرية الرأي التشكيك في دين الله عز وجل؟! كل هذه من باب حرية الرأي وليقل من شاء ما شاء، فالمجال مفتوح، والطريق واسع، والصدر رحب، ونحن نستوعب الرأي والرأي الآخر، وقد يكون الرأي الآخر كفراً وردة، وبدعة، وظلماً، وحراماً، وانحرافاً عن الدين، ويقولون: حرية الرأي، ولقد جاء الإسلام بالدعوة إلى دينٍ واحد وعقيدة واحدة، وجاء الإسلام بالجهاد في سبيل الله، وجاء الإسلام بمحو الكفر: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] فهذا الذي يدعو إليه الإسلام ولا يدعو الدين أبداً إلى إبقاء الكفرة على ما هم عليه وترك الكفر يسرح في الأرض، وإلا فما معنى أن الله عز وجل أنزل هذا الدين؟ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] وحينما نستعير مصطلحات الشرق والغرب ثم نلصقها بدين الله تكون مصيبة، فالمصيبة أن يأتي أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بلغتنا ويقولون: حرية الرأي، حرية الفكر، ويأتون بأدلة من القرآن والسنة على حرية الرأي وحرية الفكر: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] ونحوه. فمن المؤسف أن نستعير مصطلحات الشرق والغرب ثم نلصقها بدين الله ونأتي عليها بأحاديث وأدلة. وتحت ضغط الواقع المنحرف يشتد هؤلاء على المسلمين، ويرفعون لواء هذه الجريمة المسماة: بحرية الرأي، ويفتحون الطريق للمنافقين وللمرتدين وللكفار ليطعنوا في الإسلام، وليعلنوا المخالفة لدين الله سبحانه وتعالى، وهذه انهزامية مقيتة، وبدعة جديدة، وكأن هؤلاء لم يقرءوا قول الله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] فظهر جيل لا يقر من الدين إلا بما يوافق هواه، وغزيت البيوت بهذه الموجات، وقيل: إن كل شيء معرض للنقد، وإنه ليس هناك مسلمات.


اتباع الهوى في الفتاوى


ومسألة اتباع الهوى في الأحكام والفتاوى صارت الآن منتشرة في عصرنا، وصار هناك ممن توسد الأمر من غير أهله، وبرز على الناس، وظهر في الصحف والشاشات من يفتي للناس على هواه، فصار هناك فساد كبير، وشرٌ مستطير. وإذا ذكر الهوى تبادر إلى الذهن أنه يتعلق بالأمور العملية من الشهوات واللذات، بينما إذا نظرنا إلى الشريعة وجدنا أن الهوى يجمع كل مخالفة في الكتاب والسنة، وقد جعل الله تعالى الهوى مضاداً للشرع، فأي شيء مضاد للشرع فهو هوى، وفي باب العلميات من العقائد بعضهم لا يشعر بأنه يخالف أصلاً، بل ربما يشعر أنه على الحق وأنت على الباطل، ولذلك سبق الكلام بأن إبليس دخل عليهم من باب اتباع الأهواء. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا كان من خرج عن وجه الكتاب والسنة من المنسوبين إلى العلماء والعباد يُجعل من أهل الأهواء" كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء، وذلك أن كل من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه، والعلم بالدين لا يكون إلا بهدى الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم تحدث عن الطرق المبتدعة وأن أصحابها أتباع الهوى، وأن أتباع السنة أصحاب العلم والعدل والهدى، ومخالفو السنة أصحاب هوىً وجهل وظلم. وقد قال عز وجل: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [الجاثـية:18-19] فالشريعة معلومة وكل ذوق ووجد وتفكير ووجهة لا تشهد لها الشريعة فهي من أهواء الذين لا يعلمون، ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شيء من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء، ويذمونهم، ويأمرون بأن لا يغتر بهم، وهكذا. قال يوسف بن عبد الأعلى: قلت للشافعي : تدري يا أبا عبد الله ما كان يقول فيه صاحبنا -يريد الليث بن سعد- كان يقول: لو رأيته يمشي على الماء لا تثق به ولا تعبأ به ولا تكلمه، فقال الشافعي: فإنه والله ما قصر.

هؤلاء المبتدعة مثل بعض الصوفية يدعون كرامات وهم على ضلال، فقال الليث رحمه الله: لا تثق به ولا تعبأ به، ولو رأيته يمشي على الماء ويطير في الهواء. لماذا؟ لأن الشياطين تساعدهم على مقاصدهم السيئة وتجعل الناس معجبين بهم، ولذلك كان شيخ الإسلام رحمه الله يذهب لمناظرتهم، يقول: كنت أدخل على الواحد منهم حوله الناس وهو في الهواء معلق، و شيخ الإسلام يعرف أن هذا تحمله الشياطين فيقول له أتباع هذا: انظر إلى شيخنا وكراماته هاهو في الهواء -مع أنه شيخ صوفي مبتدع منحرف- قال شيخ الإسلام : فأقرأ آية الكرسي فيسقط، ولذلك وإن رأيته يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتر بخوارقه، فالعادة تنخرق للمشرك والمسلم والكافر والموحد والمبتدع والمتبع، والعادة من الممكن أن تنخرق للولي وللكافر، وترى في الهند بعض الهندوس أو بعض البوذيين أو بعض السيخ أو بعض الكفرة المشركين يحصل لهم شيء عجيب، يدخل سيفاً من البطن ويخرجه من الظهر، ويدخل خنجراً في دماغه ولا يسيل منه قطرة دم، كيف هذا؟ تعينهم الشياطين، فالجني الذي كان مستعداً ليأتي بعرش ملكة سبأ من داخل قصرها، ويعبر به الجدران والنوافذ والأبواب، ويطير به من اليمن إلى الشام إلى سليمان عليه السلام، أيعجز أن يدخل السيف من البطن ويخرجه من الظهر؟! والجن عندهم قدرات.

فهؤلاء مثل أصحاب الطرق الرفاعية وغيرهم الذين تكلم عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية كـالبطائحية الذين يلفون الخرق الخضراء وغيرها، وأصحاب الطرق الذين يدعون أن عندهم كرامات، يقولون: انظروا هذا يخرق بطنه بالسيف ويضع الخنجر في دماغه ولا تحدث مشكلة، ويدخل سيخاً من جهة ويخرجه من الجهة الأخرى ولا يصير به شيء، ويمكن أن يصعد في الهواء كأنه يصعد على سلم، بل ويذهب في نفس اليوم إلى مكة ويرجع، ويقول الحُجَّاج الذين رجعوا بعد شهر وشهرين رأيناه في عرفة وفي مكة ورأيناه في الحرم. قال شيخ الإسلام: ومن منكراتهم أنهم يمرون بالميقات ولا يحرمون منه، لأن الجني مستعجل، لا يقف لهم حتى يحرموا يذهب بهم بسرعة ويرجعهم، فيمرون بالميقات دون إحرام. فإذاً: يقول الليث بن سعد رحمه الله: لو رأيته يمشي على الماء لا تثق به ولا تعبأ به، ولا تكلمه.
قال الشافعي : فإنه والله ما قصر.

وقال عاصم : قال أبو العالية: [تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الإسلام يميناً وشمالاً، وعليكم بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه، وإياكم وهذه الأبواق التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء، فحدثت الحسن -يعني: بكلام أبي العالية - فقال: صدق ما نطق، فحدثت حفصة بنت سيرين فقالت: أنت حدثت محمداً بهذا؟ قلت: لا.

قالت: فحدثه إذاً] تقول: هذا كلام نفيس انقله. وقال أبي بن كعب : [عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما على الأرض عبدٌ على السبيل والسنة ذكر الله ففاضت به عيناه من خشية الله سيعذبه -يعني: إذا فعل هذا لا يمكن أن يعذب- وما على الأرض عبدٌ على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك -يعني على هذه اليبوسة- إذا أصابتها ريحٌ شديدة فتحات عنها ورقها ولتحط عنه خطاياه كما تحات عن تلك الشجرة ورقها، وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة، فانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهاداً أو اقتصاداً أن يكون على منهاج الأنبياء وسنتهم]. وكذلك قال عبد الله بن مسعود : [الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة]وقيل لـأبي بكر بن عياش وهو رجل فاضل من المقرئين الكبار في هذه الأمة، لما حضره الموت قال لابنه: يا بني لا تعص الله في هذه الحجرة فإني ختمت القرآن فيها ثمانية عشر ألف ختمة.

هذا عند الموت، فهو يريد أن يعظ ولده، قال: لا تعص الله في هذه الغرفة. وقيل لـأبي بكر بن عياش : يا أبا بكر من السني؟ قال: الذي إذا ذكرت الأهواء لم يغضب لشيء منها، وهذا أصلٌ عظيم، فالسني إذا ذكرت عنده الأهواء والبدع لا يدافع عنها إطلاقاً، بل إنه يغضب منها ولا يغضب لها، وهذا أصلٌ عظيم من أصول سبيل الله وطريقه. وكذلك فإن شيخ الإسلام قد تحدث عن بعض أهل الأهواء الذين جعلوا رسوماً وألواناً وملابس معينة، وخطوات معينة، وأشكالاً معينة لهم، وقالوا: هذه أشكال الصالحين، وابتدعوا في دين الله ما لم يأذن به الله، مثل: حلق الرأس في غير الحج والعمرة.

-وطبعاً تعود حلق الرأس في غير الحج والعمرة مكروه- وهو من فعل الخوارج سيماهم التحليق. ولذلك قال: اتخذ طوائف من فقراء الصوفية ديناً، جعلوه شعاراً وعلامة على أهل الدين والنسك والخير؛ من شكل معين وملابس معينة وأكل معين، وقالوا: هذا هو الطريق. وذات مرة ذهب أحد علماء هذا العصر وكان في بداية أمره يبحث عن الحق -وكان شاباً- فوجد في البلد رجلاً يدعي المشيخة ويدعي أنه من الصالحين، وأنه من أولياء الله، فقال: ماذا عندك؟ قال: أنا أوصلك إلى الله في أربعين يوماً، قال: كيف؟ قال: تأخذ هذه الأذكار وتقرؤها كل يوم، وتأكل سبع حبات عدس وتفعل كذا كذا، وبعد أربعين يوماً تصل إلى الله..

قال: اكتب لي بهذا ورقة؛ فكتب، قال: اختمها لي فوقع عليها، ووقع عليها، ثم ذهب ورجع بعد أربعين يوماً وقال: أنا جربت هذه الطريقة وما وصلت إلى الله، وهذا يزعم أنه يكلم الله -تعالى الله عن ذلك- يكلم الله بحبل سرواله ثم قال ذلك الشاب: أيها الناس هذا ضلال شيخكم المزعوم كتب في أوراق وقال: توصلك إلى الله في أربعين يوماً.


علاج الهوى
رد مع اقتباس