ومقابله ما قاله أبو عثمان النيسابوري : " من أمر السنة على نفسه قولا وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة " لأن الله يقول : {وإن تطيعوه تهتدوا} [سورة النور الآية:54] .
فاتباع الهوى نوع من الشرك كما قال بعض السلف : " شر إله عبد في الأرض الهوى " ! فهو يضل الإنسان عن الحق وإن كان يعرف ذلك، فإذا صار الهوى هو القائد والدافع صار أصحابه شيعا يتعصب كل واحد لرأيه ويعادي من خالفه، ولو كان الحق معه واضحا لأن الحق ليس مطلوبه !! وبذلك يذلوا وتذهب ريحهم، ويفشلوا أمام كل عمل أرادوه، لأنهم صاروا متفرقين تتحكم فيهم الأهواء، ولذلك تجد هؤلاء كلما علم أحدهم أن من يخالفه قد تكلم في مسألة أو موضوع تجده يبادر إلى الرد عليه بدون تأمل في قوله وتلمس لوجه الصواب، بل يعمى عن هذا المقصد، ويبذل جهده في تضليل مخالفه، وتفنيد رأيه بكل ما يستطيع، ولو برأي تافه وتعسف بغيض، مع أن الذي يوجبه الإسلام هو محادثة المخالف والاطلاع على دلائله، ووزنها بميزان الكتاب والسنة . ثم يكون ذلك هو المنهي للنزاع، كما قال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [سورة النساء ، الآية 65 ] فنفى الإيمان عمن لم يحكم الكتاب والسنة فيما يختلف فيه هو وغيره، ثم يسلم لحكمهما وينقاد له بدون تبرم أو ضيق صدر بذلك . بل لا بد من الرضا به والتسليم له مطلقا وإلا لا يكون مؤمناً .
وقال تعالى : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } [سورة النساء الآية 59] فأوجب رد كل ما حصل فيه نزاع إلى الله والرسول لأن قوله : { في شيء } نكرة تعم كل ما أحدث نزاعاً وإن قل، وبين أن الرد إليهما هو مقتضى الإيمان، فإذا لم يرد النزاع إلى الله والرسول فمفهوم ذلك انتفاء الإيمان عمن فعل ذلك .
وهذا المفهوم قد صرح به منطوقا في الآية السابقة . والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته .. وذلك بإجماع العلماء .
وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [سورة النور الآية: 63]. أي فليحذر من لم يتبع الرسول في أقواله وأعماله ظاهراً وباطنا أن يطبع الله على قلبه ويزين له سوء عمله فيراه حسنا فيزداد شرا على شر أو يصيبه الله بعقاب عاجل مؤلم لا يتخلص منه مع ما أعد له في الآخرة من النكال والإهانة.
قال ابن كثير :" أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطنا : {أن تصيبهم فتنة} أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة . {أو يصيبهم عذاب أليم} أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك .
ثم ذكر الحديث الذي في الصحيحين : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما مثلى ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب يقعن فيها فجعل الرجل يزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها ". ووجه ذكر هذا الحديث تفسيراً لهذه الآية ظاهر وهو أن من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى بنفسه في النار فليحذر الإنسان أن يزين له الشيطان أو هواه اتباع من خالف الشرع محسنا ظنه به فيعض على يديه يوم يحصل ما في الصدور .
|