والواجب على كل من يتكلم في أمر من أمور الدين أن يكون مخلصا لله متجرداً للحق، وغالباً على نفسه بالمجاهدة عن اتباع الهوى وما تميل إليه من حظوظها الدنيوية، كحب الثناء والظهور وكثرة الأتباع، أو ما هو أسوأ من هذا كله، وهو الحصول على شيء من حطام الدنيا .
* ومن نظر في كثير من الخلافات بين الجماعات والأفراد ، سواء كان ذلك في مسائل العلم أو في مجال التوجيه والعمل، وجد ظاهرها في طلب العدل والإنصاف، أو الصواب وترك الانحراف، وحقيقتها حب عبادة النفس واتباع الهوى، أو أغراض سيئة دنيئة، وقد علم أن الهوى يعمي ويصم ويضل عن سبيل الله، وقد ترجع إلى أمور شخصية أو تطلعات معينة دنيئة، وإن غلفت بالغيرة على الدين وإرادة إظهار الحق، والواقع خلاف ذلك .
ومن هذه صفته فهو ومن نحى نحوه المعني بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة وعبد القطيفة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط . تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش " .
فهو عبد لهذه الأشياء لأن عمله من أجلها، ولها يرضا ويسخط، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط". وهذا يدل على أن صاحب الهوى يعبد هواه كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله } [سورة الجاثية ، الآية 23 ] . وفي حديث أبي هريرة الذي في الصحيح في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار : " الأول من تعلم علما ليقال : هو عالم قارئ، والآخر من قاتل ليقال هو جريء شجاع، والثالث : من تصدق ليقال هو جواد ك€€"][ريم " . فهؤلاء إنما كان قصدهم مدح الناس لهم وطلب الجاه عندهم وتعظيمهم لهم، لم يقصدوا بفعلهم وجه الله وإن كانت صور أعمالهم حسنة في الظاهر .
|