عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 2012-07-31, 03:01 AM
صابر عباس صابر عباس غير متواجد حالياً
عضو جاد بمنتدى أنصار السنة
 
تاريخ التسجيل: 2009-03-20
المشاركات: 430
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
أنبياء الله في القرآن العظيم
(أدم عليه السلام)

إستكمالا للقاء السابق في الحديث عن نبي الله " أدم " عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .
أدركنا أن مدة هذه الحياة, مؤقتة عارضة , ليست مسكنا حقيقيا , وإنما هي معبر يتزود منها للدار الأبدية جنات النعيم..

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ – 36


كان هذا إيذانا بانطلاق المعركة في مجالها المقدر لها . بين الشيطان والإنسان . إلى آخر الزمان .
ونهض آدم من عثرته , بما ركب في فطرته , وأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها .

فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ – 37

وتمت كلمة الله الأخيرة , وعهده الدائم مع آدم وذريته . عهد الاستخلاف في هذه الأرض , وشرط الفلاح فيها أو البوار .

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ – 38

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 39


وانتقلت المعركة الخالدة إلى ميدانها الأصيل . وعرف الإنسان في فجر البشرية كيف ينتصر إذا شاء الانتصار , وكيف ينكسر إذا اختار لنفسه الخسار . . .

دروس واستنباطات من قصة آدم

وبعد فلا بد من عودة إلى مطالع القصة . قصة البشرية الأولى .
لقد قال الله تعالى للملائكة: ( إني جاعل في الأرض خليفة ). . وإذن فآدم مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى . ففيم إذن كانت تلك الشجرة المحرمة ? وفيم إذن كان بلاء آدم ? وفيم إذن كان الهبوط إلى الأرض , وهو مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى ?
إنه التدريب العملي في مواجهة الغواية , وتذوق العاقبة , وتجرع الندامة , ومعرفة العدو , والالتجاء بعد ذلك إلى الملاذ الأمين .
إن قصة الشجرة المحرمة , ووسوسة الشيطان باللذة , ونسيان العهد بالمعصية , والصحوة من بعد السكرة , والندم وطلب المغفرة . . إنها هي هي تجربة البشرية المتجددة المكرورة ...
لقد اقتضت رحمة الله بهذا المخلوق أن يهبط إلى مقر خلافته , مزودا بهذه التجربة التي سيتعرض لمثلها طويلا , استعدادا للمعركة الدائبة وموعظة وتحذيرا . .

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ – 38

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – 39


وندرك من الآيات السابقة عدة إعتبارات :

أولا - أن الإنسان سيد هذه الأرض .

ومن أجله خلق كل شيء فيها - كما تقدم ذلك نصا - فهو إذن أعز وأكرم وأغلى من كل شيء مادي , ومن كل قيمة مادية في هذه الأرض جميعا . ولا يجوز إذن أن يستعبد أو يستذل لقاء توفير قيمة مادية أو شيء مادي . . لا يجوز أن يعتدي على أي مقوم من مقومات إنسانيته الكريمة , ولا أن تهدر أية قيمة من قيمه لقاء تحقيق أي كسب مادي , أو إنتاج أي شيء مادي , أو تكثير أي عنصر مادي . . فهذه الماديات كلها مخلوقة - أو مصنوعة - من أجله . من أجل تحقيق إنسانيته . من أجل تقريروجوده الإنساني . فلا يجوز إذن أن يكون ثمنها هو سلب قيمة من قيمه الإنسانية , أو نقص مقوم من مقومات كرامته .

ثانيا - دور الإنسان على الأرض .

فهو الذي يغير ويبدل في أشكالها وفي ارتباطاتها ; وهو الذي يقود اتجاهاتها ورحلاتها . وليست وسائل الإنتاج ولا توزيع الإنتاج , هي التي تقود الإنسان وراءها ذليلا سلبيا كما تصوره المذاهب المادية التي تحقر من دور الإنسان وتصغر , بقدر ما تعظم في دور الآلة وتكبر !

إن النظرة القرآنية تجعل هذا الإنسان بخلافته في الأرض , عاملا مهما في نظام الكون , ملحوظا في هذا النظام . فخلافته في الأرض تتعلق بارتباطات شتى مع السماوات ومع الرياح ومع الأمطار , ومع الشموس والكواكب . . وكلها ملحوظ في تصميمها وهندستها إمكان قيام الحياة على الأرض , وإمكان قيام هذا الإنسان بالخلافة . . فأين هذا المكان الملحوظ من ذلك الدور الذليل الصغير الذي تخصصه له المذاهب المادية , ولا تسمح له أن يتعداه ? !

وما من شك أن كلا من نظرة الإسلام هذه ونظرة المادية للإنسان تؤثر في طبيعة النظام الذي تقيمه هذه وتلك للإنسان ; وطبيعة احترام المقومات الإنسانية أو إهدارها ; وطبيعة تكريم هذا الإنسان أو تحقيره . . وليس ما نراه في العالم المادي من إهدار كل حريات الإنسان وحرماته ومقوماته في سبيل توفير الإنتاج المادي وتكثيره , إلا أثرا من آثار تلك النظرة إلى حقيقة الإنسان , وحقيقة دوره في هذه الأرض !
كذلك ينشأ عن نظرة الإسلام الرفيعة إلى حقيقة الإنسان ووظيفته إعلاء القيم الأدبية في وزنه وتقديره , وإعلاء قيمة الفضائل الخلقية , وتكبير قيم الإيمان والصلاح والإخلاص في حياته . فهذه هي القيم التي يقوم عليها عهد استخلافه :

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

وهذه القيم أعلى وأكرم من جميع القيم المادية - هذا مع أن من مفهوم الخلافة تحقيق هذه القيم المادية , ولكن بحيث لاتصبح هي الأصل ولا تطغى على تلك القيم العليا - ولهذا وزنه في توجيه القلب البشري إلى الطهارة والارتفاع والنظافة في حياته . بخلاف ما توحيه المذاهب المادية من استهزاء بكل القيم الروحية , وإهدار لكل القيم الأدبية , في سبيل الاهتمام المجرد بالإنتاج والسلع ومطالب الغرائز...

وفي التصور الإسلامي اعلاء من شأن الإرادة في الإنسان فهي مناط العهد مع الله , وهي مناط التكليف والجزاء . . إنه يملك الارتفاع على مقام الملائكة بحفظ عهده مع ربه عن طريق تحكيم إرادته , وعدم الخضوع لشهواته , والاستعلاء على الغواية التي توجه إليه .
بينما يملك أن يشقي نفسه ويهبط من عليائه , بتغليب الشهوة على الإرادة , والغواية على الهداية , ونسيان العهد الذي يرفعه إلى مولاه . وفي هذا مظهر من مظاهر التكريم لا شك فيه , يضاف إلى عناصر التكريم الأخرى . كما أن فيه تذكيرا دائما بمفرق الطريق بين السعادة والشقاوة , والرفعة والهبوط , ومقام الإنسان المريد ودرك الحيوان المسوق !

وأخيرا تجيء فكرة الإسلام عن الخطيئة والتوبة . . إن الخطيئة فردية والتوبة فردية . في تصور واضح بسيط لا تعقيد فيه ولا غموض . . ليست هنالك خطيئة مفروضة على الإنسان قبل مولده - كما تقول نظرية الكنيسة - وليس هنالك تكفير لاهوتي , كالذي تقول الكنيسة إن عيسى - عليه السلام - [ ابن الله بزعمهم ] قام به بصلبه , تخليصا لبني آدم من خطيئة آدم ! . . كلا ! خطيئة آدم كانت خطيئته الشخصية , والخلاص منها كان بالتوبة المباشرة في يسر وبساطة . وخطيئة كل ولد من أولاده خطيئة كذلك شخصية , والطريق مفتوح للتوبة في يسر وبساطة . . تصور مريح صريح . يحمل كل إنسان وزره , ويوحي إلى كل إنسان بالجهد والمحاولة وعدم اليأس والقنوط . . ( إن الله تواب رحيم ). .

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.


********
دمتم في رعاية الله وأمنه
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

رد مع اقتباس